أّكد رئيس مجلس محافظة صلاح الدين، أحمد الكريم، ما جاء في تقرير منظّمة "هيومن رايتس ووتش" الذي أصدرته الأسبوع الحالي حول ترحيل عائلات عناصر "داعش" من المحافظة، مشيرًا إلى أن تلك الإجراءات تمّت بموافقة كافة الأجهزة والقوى الأمنية في المحافظة، ومضيفًا أن عددًا من عائلات التنظيم المتطرّف تم طردهم من قضاء الشرقاط، وإسكانهم في مخيمات خاصة بعيدًا عن مناطق سكناهم، وذلك بعد خروقات أمنية عدّة، وتبيّن فيما بعد ومن خلال التحقيق والمتابعة أن تلك العائلات ساعدت المتطرّفين من خلال التخفي في منازلهم، والتواصل معهم وتزويدهم بالمعلومات عن الواقع في المحافظة، فهم حواضن لعناصر "داعش".
وأضاف أحمد الكريم، أنّ بعض أفراد تلك العائلات وضعوا عبوة لاصقة إلى أحد الضباط في المحافظة وساعدوا عددًا من الانتحاريين، ولذلك قرّرت قيادة العمليات طردهم وإخراجهم من المحافظة إلى المخيمات، مشيرًا إلى أنّه لو كنا نستطيع إرسالهم إلى المريخ لفعلنا ذلك، وعن كيفية تحديد عائلة المتطرّف، أكّد الكريم أن القضية تتعلّق بمن سكن معه في نفس المنزل ولا تتعلّق بأقاربه من الدرجة الأولى أو الثانية، بل ربما أحد من أقاربه سكن معه تحت سقف واحد يكون مشمولًا بهذا القرار.
ونفى الكريم ما جاء في تقرير منظّمة "هيومن رايتس ووتش"، من شمول أشخاص ليس لديهم علاقة بالتنظيم في هذا القرار، مؤكدًا سلامة الإجراءات التي اتخذها مجلس المحافظة، وتحدّث الكريم عن كيفية تحديد عوائل عناصر التنظيم ومعرفة من ساعدهم، مبيّنًا أنه "كيف لا نعرف؟ ونحن مجتمع عشائري ومن ساهم بدخول "داعش" هم معروفون لدينا بالأسماء، فضلاً عن معرفة الأهالي كل من دعم التنظيم في المدن، وبالتالي نحن لا نحتاج إلى المعلومات الاستخبارية لمعرفة تلك التفاصيل، فهي معروفة لنا مسبقًا".
وردّ النائب في البرلمان العراقي عن محافظة صلاح الدين، مشعان الجبوري، أنّ "هذا القرار جائر ومنذ اليوم الأول نحن نسعى إلى إلغائه عبر الأطر الرسمية، لأنه يخالف الدستور العراقي والقوانين النافذة، ولا يمتلك أية حجة قانونية، بل هو ينطوي على ظلم كبير وحيف وقع على أهالي قضاء الشرقاط فقط دون بقية الأقضية"، مضيفًا أنّ "هولاء الاشخاص أبرياء ولا صلة لهم بتنظيم "داع"ش، بل إن هذا القرار اتخذ لأغراض شخصية من قبل قائد عمليات صلاح الدين بسبب خصومات بينه وبين أهالي المدينة، بالإضافة إلى أنه مشمول بقانون اجتثاث البعث، فهو يريد أن تكون له يد بيضاء عند الحكومة العراقية باعتباره يقف ضد إلارهابيين، لماذا يستهدفون عوائل الشرقاط بالذات رغم انها مدينة آمنة ولم تشهد أي خرق أمني خلال الفترة الماضية وليس كما يزعم رئيس مجلس المحافظة".
وكشف الجبوري عن سحب مجلس صلاح الدين هذا القرار بعد أشهر عدة من تطبيقه، وذلك خوفًا من الملاحقات القضائية، لأنهم يعلمون أن قرارهم خاطئ، وهو يخالف الدستور العراقي والقوانين، لكن رئيس المجلس أحمد الكريم لم يخبر "العرب اليوم" بإلغاء هذا القرار، حيث يتّضح أن المجلس لا يريد للإعلام معرفة قرار الإلغاء، لما يترتّب عليه من إعادة العوائل المهجّرة إلى منازلهم، وهو ما لا يريده المجلس، وردّت المحكمة الإتحادية العليا، الدعوى القضائية التي أقامها النائب الجبوري ضد إجراءات مجلس المحافظة بحق عوائل عناصر ينتمون إلى تنظيم "داعش".
وأفاد المتحدث باسم المحافظة علي الحمداني، أن المحكمة الاتحادية العليا ردّت الدعوى القضائية التي أقامها النائب مشعان الجبوري ضد إجراءات مجلس المحافظة بحق عوائل العناصر المنتمية إلى تنظيم "داعش" والمتّهمة بقضايا إجرامية متعدّدة، فيما رد الجبوري بأن سبب رد الدعوى هو سحب القرار من قبل المجلس وبالتالي ردّت المحكمة الدعوى لانتفاء غرضها، وقد حصل" العرب اليوم" على وثائق حصرية تثبت سحب مجلس محافظة صلاح الدين هذا القرار وإلغائه منذ أشهر عدة ، لكن أعضاء المجلس يرفضون الإعلان عنه.
منظّمة "هيومن رايتس" تدخل على الخط
وأكّدت منظّمة "هيومن رايتس"، المعنية بحقوق الإنسان، أن مليشيات مسلحة تابعة للحشد الشعبي هجّرت قسرًا 125 عائلة على الأقل في محافظة صلاح الدين العراقية، بزعم وجود صلة قرابة بينهم وبين عناصر من تنظيم "داعش"، لافتة إلى أن مجموعات الحشد العشائري التابعة إلى الحشد الشعبي أجبروا عشرات العائلات على مغادرة منازلهم والتوجّه إلى مخيم وصفته بـ "السجن في الهواء الطلق"، قرب تكريت، فيما دمّرت مليشيات الحشد الشعبي عشرات المنازل في المنطقة.
وأجرت المنظمة لقاءات عدة مع بعض العوائل أكدوا خلالها أن مليشيات الحشد طردتهم من المنازل على متن شاحنات، ومنعتهم من جلب لباسهم، كما أكد آخرون أنهم تعرضوا للضرب خلال عملية تهجيرهم، وأوضحت نائب مدير قسم الشرق الأوسط في "هيومن رايتس ووتش"، لمى فقيه، أن تهجير العوائل في صلاح الدين تمّ بقرار رسمي تبناه مجلس المحافظة، ومنع بموجبه كل من له صلة قرابة عائلية بالتنظيم بالطرد الفوري لمدة تتراوح بين 10 سنوات و للأبد، ينما يناقش السياسيون في بغداد جهود المصالحة في العراق، تقوّض القوات التابعة للدولة هذه الجهود بتدمير المنازل وإجبار العائلات على الانتقال إلى معسكر اعتقال.
وأظهرت صور التقطت عبر الأقمار الصناعية هدم 220 منزلاً بين 21-23 تشرين الأول من عام 2016 أيلول الماضي بواسطة المتفجرات والنيران، وأوضح مدير مخيم الشهامة للنازحين شمال تكريت، حسين أحمد، أنّ المخيم يأوي 362 عائلة، 237 منها فرّت من الحويجة، "مدينة تقع 50 كم إلى الشمال الغربي من كركوك ومازالت تحت سيطرة داعش"، وجاءت هذه العائلات منذ أن فتح المخيم في مطلع كانون الثاني، فيما تم جلب 125 عائلة من الشرقاط للمخيم في شهر شباط، ودعت المنظّمة، السلطات العراقية الاتحادية إلى التحقيق في أي تدمير متعمّد أو نهب طال الممتلكات الخاصة، ومعاقبة المتورّطين إن حصلت انتهاكات، وتعويض الضحايا، مشددةً على محاسبة من كانوا في مناصب قيادية أثناء ارتكاب تلك الأعمال ولم يمنعوا حدوثها.
قرار رسمي من مجلس المحافظة
وقرّر مجلس محافظة صلاح الدين العام، العام الماضي، ترحيل عوائل عناصر تنظيم "داعش" من المحافظة لمدة لا تقل عن 10 سنوات، ويعرّف المجلس أسرة العنصر المتطرّف بأنهم الذين يعيشون معه في سقف واحد ويأكلون من إناء واحد وتشمل الزوجات والأبناء والأمهات والآباء والإخوة والأخوات، لكن القرار الذي طُبق يختلف عن هذا التحديد.
"أم هنادي" قائدة ميليشيا تقطف الرؤوس
وظهرت أم هنادي وهي قائدة مليشيا مسلحة في الشرقاط إحدى مدن صلاح الدين، في مقاطع مرئية مع تشكيلها الخاص والذي يعرف بـ "تشكيل أم هنادي للمهمات الخاصة"، وهي تأمر العائلات التي وصفتها بعوائل "داعش"، بالصعود إلى شاحنتين تحملان لوحات عسكرية، بحضور ضباط من الجيش وتقول "إنه لشرف لي أن أنظّف وأطهّر الشرقاط مع هكذا نخبة وهكذا أبطال".
وترسل أم هنادي العائلات إلى مركبات تمهيداً لنقلهم إلى خارج القضاء، وعندما سألتها إحدى النساء عن سبب ترحيلها ردت أم هنادي بأنّه "لماذا لم يفكر زوجك بك وبأولادك قبل هذا، ألم يفكر بهذا الموضوع؟"، وتعد أم هنادي ظاهرة غير مألوفة في المجتمع العراقي حيث تقود تلك المرأة فصيلاً مسلحًا وتضرب الرجال المتّهمين بالانتماء إلى "داعش"، وتواجه عناصر التنظيم خلال المعارك، وقتلت الكثير منهم، وهي من أخرجت العائلات التي ينتمي أفرادها للتنظيم، بمساعدة ودعم من قبل الحشد الشعبي في المحافظة، كما قابلت "هيومن رايتش" 14 شخصًا من قرية الشكرة، وقد نُقلوا إلى مخيم الشهامة من قضاء الشرقاط أكدوا أن لهم صلات ضعيفة جداً بـ "داعش" أو ليس لهم صلات أصلاً بمن انضم إلى التنظيم من عائلاتهم.
وقال شخصان إن ابن عمهما، عنصرًا في تشكيل أم هنادي من قوات الحشد الشعبي، تنازعا معه على أرض لسنوات، هو من جلب القوات إلى منازلهما وأجبرهما على المغادرة، أما في حقيقية الأمر فهم بعيدون عن "داعش"، بينما أكدت امرأة أخرى أنها كانت ممرّضة وواصلت عملها في المستشفى المحلي في ظل "داعش" لأنها كانت الممرّضة الوحيدة هناك، وشعرت أن من واجبها توفير الرعاية الصحية للنساء، وهجرّت قسراً أيضاً إلى المخيم واتهموها بالانتماء إلى "داعش".
وانتهت المعارك مع تنظيم "داعش" في محافظة صلاح الدين منذ العام الماضي، إلا أن مرحلة ما بعد التنظيم كانت معقّدة، بسبب منع عودة الكثير من النازحين على أسس طائفية ومذهبية، فضلاً عن قضايا الثأر العشائري التي ظهرت والاتهامات المتبادلة بين بعض السكان بأنهم ساعدوا "داعش"، بالإضافة إلى وجود تهديد من قبل عناصر التنظيم في بعض المناطق المحاذية إلى محافظة ديالى.
أرسل تعليقك